إطلالة ولمسات على كتاب : (أوراق دبلوماسي عراقي -ملاحظات وشهادة -)، لسفير العراق السابق الأستاذ ابراهيم الولي “الحلقة الثالثة”
الاستاذ الدكتور أحمد عبد الله الحَسُّو
من اهم ما تضمنه كتاب الاستاذ ابراهيم الولي : ( أوراق دبلوماسي عراقي – ملاحظات وشهادات -) ، مادة غنية اضافت الكثير الى القيم والتقاليد الدبلوماسية كانت بعض ثمرات خبرته الطويلة ومواقفه في ظروف حرجة، بل وخطيرة أحيانا كالتي واجهته حين كان عليه ان يقدم مشورة لحكومة بلده فيما يخص طلب ارسال قوات عسكرية الى اليمن يوم كان مسؤولا عن سفارة العراق فيها ، حيث وضع نصب عينيه ما املاه عليه حسه الوطني والقومي على حد سواء ( انظر ، ص 51-67 من الكتاب )
ان من يقرأ الكتاب ، يدركان مرجعية الاستاذ الولي في منهجه الدبلوماسي متفتحة على مجمل الادبيات الدبلومسية ، ولذا فانه في الوقت الذي أشاد فيه باشهر كتابين مرجعيين في هذا المجال، وهما ( دليل الممارسة الدبلوماسية لارنست ساتو ، ) و (الدبلوماسية) لهارولد نكلسون، واعتبرهما دستورا لكل دبلوماسي ، الا انه اخذ عليهما تجاهلهما
للدبلوماسية عند العرب و المسلمين عبر العصور( والتي كانت موضع الهام له )، في حين انهما يفصلان كل صغيرة وكبيرة في تاريخ الدبلوماسية في العالم الغربي. ويبدو ان هذا هو ما دفعه الى ان يضمن كتابه ايجازا بما تحتفظ به ذاكرته عن الدبلوماسية عند العرب والمسلمين حيث قال :
إن للإسلام و المسلمين باعا طويلا في ممارسة الدبلوماسية ؛ سواء كان ذلك في اعداد المبعوثين في مهامهم او في حسن اختيارهم ، و كذلك مراعاة المبعوثين و السفراء الاجانب و احترامهم و تسهيل مهماتهم ، كذلك الامر في اتقان فن التفاوض مع حكومات الدول و رؤسائها .
و لعل افضل مثال على هذا التطبيق هي مفاوضات الرسول محمد عليه الصلاة و السلام مع قريش في العام السادس للهجرة لأداء فريضة حج بيت الله ، فكانت مفاوضات ادارها المسلمون بحكمة و مرونة حقنا لدماء المسلمين، فكان صلح الحديبية ، وقد تلا ذلك أمر الرسول الكريم بعث سفرائه ممن حسن اختيارهم ، للتفاوض مع الملوك و الرؤساء على الدخول في الاسلام العظيم ،فكان ان وفد الضمري الى النجاشى في الحبشة ، و ابن بلتعة الى المقوقس ملك مصر، و السهمي الى كسرى ملك الفرس ، و ابن خليفة الكلبي الى القيصر ملك الروم هرقل ، و عمرو ابن العاص الى عُمان ، و العلاء ابن الحضرمي الى امير البحرين .
يقول الاستاذ الولي :
تلك امثلة مشرفة في عصر النبوة ،كما ان امر الهجرة الى الحبشة التي وجّه بها النبي، انقاذا للمسلمين من بطش قريش، صاحبها امران من فن المفاوضة ، فقد بعثت قريش عمرو ابن العاص، قبل ؟إسلامه، الى النجاشى لإقناعه بطرد المسلمين المهاجرين اليه، لكن جعفر ابن ابي طالب ممثل المسلمين المهاجرين، انبرى لعمرو بدفاع بليغ، وهو قوة المفاوض، مما حمل النجاشي على رد دفع قريش و الانتصار لجعفر بالإبقاء على المسلمين لديه بأمان وغير هذا ،فكان ذلك نجاحا لسفارة جعفر قدر ما هو فشل لسفارة عمرو .
وقال أيضا :
ان التاريخ يرينا كيف ان ممارسة الدبلوماسية بين حكام الدولتين الاموية في دمشق و الاموية في الاندلس و كذلك الدولة العباسية ببغداد .كانت على درجة متقدمة سواء بحسن اختيار سفرائهم او بإدارة المفاوضات بذكاء و حنكة حين كان الغرب ما زال يحبو في هذا المجال ، فقد بعث مروان ابن عبد الملك ،الشعبي الى جوستنيان الثاني الامبراطور للاتفاق عل المهادنة و التعاون في سفارة ناجحة حملت الامبراطور على كيل المديح للسفير الشعبي .
وقال بصدد ما استجد في عهد الدولة العباسية :
اما في الدولة العباسية ،فقد كان لفهم العلاقات الدولية لدى هارون الرشيد حين اقام علاقات وطيدة مع شارلمان من خلال ايفاد سفراء مع الهدايا ، و كان الاسطرلاب، و هو ساعة دقاقة ابهرت الفرنجة فكانت سفارات ناجحة ، و كذا الامر مع المأمون و المتوكل اللذان فاوضا ملك الروم فحققا تعاونا ثقافيا و مهادنة و أمنا معه ، كما ان ايفاد المقتدر العباسي لابن فضلان سفيرا لدى ملك الصقالبة ليعلمه امور دينه مع بعض المال ليعين الصقالبة على الوقوف بوجه دولة الخزر اليهودية ( رحلة ابن فضلان )، وما سجل من ملاحظات دقيقة جعلته سفيرا كاملا كما نعته البعض بجدارة. فالأمثلة كثيرة على ممارسة دبلوماسية حرفية و ما اوفرها لدى امويي الأندلس .
وختم حديثه باستغرابه من إغفال الدبلوماسيين القديرين المشار اليهما – اعني ساتو و نكلسون للدبلوماسية عند العرب و المسلمين…
وبعد فهل يعني حديث الأستاذ الولي ، اننا على موعد معه في كتاب جديد عن الدبلوماسية عند العرب والمسلمين.؟