إطلالة ولمسات على(أوراق دبلوماسي عراقي -ملاحظات وشهادة -)لسفير العراق السابق الأستاذ ابراهيم الولي
“الحلقة الخامسة”
الاستاذ الدكتور احمد عبد الله الحسو
لقد تأثرت كثيرا وانا أقرأ ما كتبه الأستاذ الولي في ختام مذكراته فقد ذكرتني بالكم الكبير من الخسارة عندما ينظر الى الكفاءات من خلال السياسة ، وفي ذهني وانا اقرأ مشاعر الأستاذ الولي عندما احيل على التقاعد وهو في التاسعة والأربعين من العمر .. هلموا اعزائي القراء نستمع اليه وهو يقول :
وبعد، فتلك في دفتي الكتاب تجربتي في العمل الدبلوماسي وقد ولجته وأنا قليل خبرة ودراية فعركتني الظروف التي مرت بي فأضافت مع التقدم في العمر خبرة في هذا العمل المتعدد الجوانب، فمع الزمن والممارسة الجادة ومحاولة إتقان العمل يكتسب المرء السوي خبرة متراكمة تجعل من حاملها عنصرا احتياطيا فاعلا في خدمة بلده ، وها نحن نرى معظم دول العالم خصوصا المتقدمة منها، تنظر للدبلوماسي المتقاعد نظرة تقدير واحترام وهي غالبا ما تكلفه القيام بالمهام الدبلوماسية ويظل السفير يخاطب بسعادة السفير باعتبار هذا اللقب يشير الى شخصية على درجة من الثقافة والدراية في الحياة الدولية ،.
وإذ أذكر هذه الحقيقة فإني أود أن أنبه معظم بلداننا العربية وفي مقدمتها بلدي العراق الى الالتفات الى هذا الأمر، فليس معقولا ولا منصفا أن يحال السفير عندها الى المعاش لأسباب سياسية لا علاقة لها بالمهنية، ولأضرب المثل بنفسي ومعذرة لهذا فأنا أحلت على المعاش وأنا سفير وعمري آنئذ تسعة وأربعون عاما علما بأن سن التقاعد في العراق
هو خمسة وستون عاما قابلة للتمديد.
لقد عرفت سفراء عديدين من دول عدة كلفوا بمهام وهم في سن التقاعد الحقيقي لا الذي وقعت فيه. ولعمري إن تلك الدول وجدت في هؤلاء الرجال ثروة وطنية يجب عدم التفريط بها.
وأذكر مرة وأنا في بغداد ، كنت أراجع إحدى دوائر الدولة حول شأن يخصني وجدت من الموظف قلة احترام لا مبرر له مما اضطرني على أن أنبه الموظف صغير الشأن بأني سفير أستحق منه احترام أكثر، فما كان من الشاب إلا أن يسألني وأين أنت سفير الآن ، قلت له على المعاش، فرد علي باستخفاف……. يعني متقاعد؟!
والله ما شعرت يوما بإهانة كهذه ولعل ملاحظات الشاب كانت حصيلة ثقافة عامة تبنتها الدولة.
وأنا لا أسوق ما قلت لأسَوِّقَ لنفسي فلقد بلغت من السن عتيا وأنا عازف عن أي تكليف صغر أم كبر والحمد لله، وإنما أردت أن أنبه الى قيمة الدبلوماسي والذى قيل فيه
(أرسل دبلوماسيا جيدا ولا ترسل جيشا فذاك قد يعوض عن هذا).
وقيل :
إن مهمة الدبلوماسي تبدأ عند فشل العسكريين.
هكذا يجب أن ينظر الى السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين، فهؤلاء إن حسن أعدادهم وتفانوا في عملهم وآمنوا برسالتهم المهنية كانوا حقا ثروة قومية وددت التنبيه لها.
ويقول كاتب هذه السطور :
ويصح القول ذاته على شرائح عديدة في مجتمعنا، لعل في الطليعة منها أساتذة الجامعة الذين يحالون على التقاعد في بلدنا وهم في اعلى مراتب عطائهم مما افقد البلد من ثروة كبرى كان يمكن ان تساهم في انتشال بلدنا من مستنقع متاهاته .
اود ان اختتم اطلالتي على كلمات الأستاذ الولي فأروي للقارئ الفاضل قصة تعود الى سنة 1968 عندما اصطحبني رئيس القسم والمشرف على رسالتي للدكتوراه في جامعة سنت أندروس St.Andrews University،
بالمملكة المتحدة، ليعرفني على الرئيس الأعلى للقسم ،فاذا انا امام استاذ جليل في حدود التسعين من العمر.. رأيت مشرفي يقف بين يديه ودون ان يبادر الى الجلوس احتراما له، ثم بدأ يعرفه بطالب الدكتوراه الجديد -اعني نفسي – فلما خرجنا عرفت من استاذي انه رئيس القسم قبله وانه يحتفظ بكرسيه ومكتبه ومرتبه في الجامعة ما دام هو راغبا بذلك ، والا فالجامعة فخورة بوجوده فيها ما دام على قيد الحياة .
لك استاذنا الجليل ابراهيم الولي ؛ وانت بعد تقاعدك انشط منك قبله …لك ولكل استاذ احيل على التقاعد او سيحال قبل ان يرغب هو بذلك كل الاجلال والتقدير